كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وسمّي بالمسيح لأنه مسح بالتبرك، أو مسحه إيلياء بالدّهن، فعيل بمعنى مفعول كالصّريع والجريح، وقيل ما مسح ذا عاهة إلّا برأ بمعنى الفاعل كالرّحيم والعليم.
وقيل: هو المصدّق، أي: صدّقه الحواريون بمعنى المفعّل كالوكيل والوليد.
وإخبار الملائكة بكلامه كهلا دليل على أنه يبلغ الكهولة وهذا علم الغيب، وفيه أيضا ردّ على النّصارى، لأنّ من تختلف أحواله لا يكون إلها.
وموضع {وَيُكَلِّمُ} نصب بالعطف على {وَجِيهًا} أي: وجيها: ومكلما كهلا ورسولا.
{مَنْ أَنْصارِي إِلَى الله}: أي للّه، أو مع نصرة الله بتقدير: من ينضاف نصره إلى الله، وإلّا فلا يجوز سرت إليه وأنت تريد معه.
والحواريّون: القصّارون لتحويرهم وتبييضهم الثياب، والحواريات: النساء اللّائي ينزلن الأمصار.
{مَعَ الشَّاهِدِينَ}: مع الذين شهدوا بتصديق الأنبياء.
{وَمَكَرَ الله}: على مزاوجة الكلام، أو هو على تمام معنى المكر منا من إرادة ضرر الممكور به بتدبير خفيّ، وكانوا أرادوا قتل نبيهم فقتل الله صاحبهم تطيانوس.
{مُتَوَفِّيكَ}: قابضك برفعك إلى السماء.
توفّيت منه حقي: تسلمته وافيا، وإضافة الرّفع إليه للتفخيم كقول إبراهيم حين ذهب من العراق إلى الشام {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي}.
{تَعالَوْا}: تقدموا لأنّ التقدّم تعال، وقولك: قدّمته إلى الحاكم كقولك: ترافعنا إليه.
{نَبْتَهِلْ}: نلتعن، وفي حديث أبي بكر: «من ولى من أمر النّاس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله».
وقيل: نخلص في الدعاء على الكاذب، فامتنع المحاجّون عن المباهلة، وهم نصارى نجران.
{إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}: خبر (هذا القصص)، ولَهُوَ عطف بيان لتقرير المعنى.
{حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}: فيما في كتابكم من نبوّة محمد.
{فَلِمَ تُحَاجُّونَ}: فيما ليس فيه من دين إبراهيم أنه كان يهوديا.
{وَجْهَ النَّهارِ}: أوله، وكان عليه السلام يصلّي إلى بيت المقدس في أوّل مقدمه المدينة، ثم صرفه الله إلى الكعبة آخر النّهار.
{وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}: أي: ما أنزل في آخره لعلهم يرجعون إلى القبلة الأولى.
{أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ}: هو حكاية قول اليهود لقومهم: إنا والمسلمون على هدى، ولكن لا تؤمنوا لهم لئلا يصدّقهم المشركون ويحاجوكم في إيمانهم. فيكون {قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى الله} اعتراضا من قول الله في حكاية كلامهم.
{لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}: أي: فيما أصبنا من أموال العرب في يهوديّ أنكر أمانة يهوديّ لما أسلم.
والعرب أميّون للنسبة إلى أمّ القرى، أو لأنهم لا يكتبون فهم على ما ولدتهم أمّهم.
{بَلى}: مكتفية بنفسها وعليها وقف تام، أي: بلى عليهم سبيل.
{يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ}: يحرّفونها بالتبديل.
{رَبَّانِيِّينَ}: أي: بالعلم أي يربونه، أو الرّبانيّ منسوب إلى الرّبّ، فغيّر بنيته للإضافة كالبحراني واللّحياني.
{لَما آتَيْتُكُمْ}: لام التّحقيق على ما الجزاء، ومعناه: لمهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به.
أو هي لام الابتداء، وما بمعنى الذي، أي: الذي آتيتكم لتؤمنن به، ولام {لَتُؤْمِنُنَّ} لام القسم، كقولك لزيد: والله لتأتينه.
ومن قرأ: {لَما آتَيْتُكُمْ} كان من أجل: ما آتيتكم أخذ الميثاق، أو يكون بمعنى بعد، أي: بعد ما آتيتكم كقولك: لثلاث خلون.
وقرئ لما ويعود معنى الكلام إلى الشرط، كقولك: لمّا جئتني أكرمتك.
{أَفَغَيْرَ دِينِ الله}: الفاء لعطف جملة على جملة.
قال الزمخشري: والمعنى: فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون، ثم توسطت الهمزة بينهما. ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون، وقدّم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنهم أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود الباطل.
{وَلَهُ أَسْلَمَ}: استسلم وانقاد أهل السّماوات طوعا، وأهل الأرض بعضهم كرها، إمّا لخوف السّيف أو عند المعاينة.
{إِلَّا ما حَرَّمَ إسرائيل}: كان لحوم الإبل أحبّ الطّعام إلى يعقوب، فنذر إن شفاه الله من عرق النّساء أن لا يأكلها.
وتحريم الحلال جائز وموجبة الكفّارة إذا....... استباحه.
بكّة: بطن مكة من التّباكّ وهو الازدحام، أو لأنها تبكّ أعناق الجبابرة.
{فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ}: من اجتماع الغزلان والذئبان، وإهلاك من عتى فيه، والبركة الظاهرة، واستشفاء المرضى، وقصة أصحاب الفيل، وانمحاء أثر الجمار على طول الرمي، وامتناع الطير من الوقوع على البيت... إلى غير ذلك من بئر زمزم، وأثر قدمي إبراهيم في الحجر الصّلد.
{شُهَداءُ}: عقلاء، كقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
{تَبْغُونَها عِوَجًا}: أي: تبغون لها عوجا، كقوله: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}.
والعوج في القول والعمل والأرض، والعوج في الحيطان والسواري.
{إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً}: أي: ما كان من الطّوائل بين الأوس والخزرج فأفناها الله بالإسلام.
{شَفا حُفْرَةٍ}: شفيرها وحرفها، والجمع: أشفاء، وفي الحديث: «لا تنظروا إلى صوم الرجل وصلاته ولكن إلى ورعه إذا أشفى» أي: أشرف على الدنيا.
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}: أي: لتكن كلّكم، فمن لتخصيص المخاطبين من سائر الأجناس، ومثله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوثان}. قاله الزّجاج. وأنكر عليه لأنّه فرض كفاية بالاتفاق.
{كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا}: أي: بالعداوة واختلفوا في الديانة.
{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ}: أي: بالنّبيّ قبل مبعثه.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}: أي: فيما يتسامعه الأمم. أو كان تامّة بمعنى: حدثتم إذ كنتم وأنتم سواء، إلا في ما يفيد كان من تأكيد وقوع الأمر.
{وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ}: من دلالة النّبوّة لأنه كان كذلك حال يهود المدينة وخيبر.
{بِحَبْلٍ}: بعهد.
{لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ}: حين أسلم عبد الله بن سلام وجماعة قالوا: لم يسلم إلّا أشرارنا.
{أُمَّةٌ قائِمَةٌ}: عادلة، أو قائمة بطاعة الله.
{فلن تكفروه}: لا يستر عنكم ثوابه، سمّي المنع كفرا كما سمّي ثواب الله شكرا.
{صرٌّ}: صوت ريح باردة من الصّرير.
{بِطانَةً}: دخلاء يستبطنون أمر المرء.
{لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا}: لا يقصّرون فيكم فسادا.
{ها أَنْتُمْ}: تنبيه، وأُولاءِ خطاب للمنافقين، أو أُولاءِ بمعنى الذين.
{لا يَضُرُّكُمْ}: كأن لا يضرركم مجزوما بجواب الشرط، فأدغمت الراء في الراء ونقلت ضمّة الأولى إلى الضّاد، وضمّت الراء الأخيرة اتباعا للضّاد كما قالوا: مد في أمدد.
{وَإِذْ غَدَوْتَ}: في يوم أحد.
{هَمَّتْ طائِفَتانِ}: بنو سلمة وبنو حارثة حيّان من الأنصار.
{وَالله وَلِيُّهُما}: أي: كيف يفشل من الله وليّه.
{أَذِلَّةٌ}: أي: عددكم قليل، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وفي يوم أحد ثلاثة آلاف، ويوم حنين اثني عشر ألفا.
{مِنْ فَوْرِهِمْ}: من وجههم، أو من غضبهم من فوران القدر.
{مُسَوِّمِينَ}: أرسلوا في الكفار كالسّائمة في الرعي.
وقيل من السّومة: أي: سوّموا وأعلموا، وكانت سومتهم عمائم بيض، وأصواف خضر في نواصي الخيل.
والاختيار الكسر لتظاهر الأخبار أنهم سوّموا خيلهم بأصواف خضر.
{إِلَّا بُشْرى}: دلالة على أنكم على الحق.
{لِيَقْطَعَ طَرَفًا}: في يوم بدر.
{أَوْ يَكْبِتَهُمْ}: يخزيهم، وقيل: يصرعهم.
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ}: أي: في عقابهم، أو استصلاحهم حتى يقع إنابتهم وتوبتهم.
{أَضْعافًا مُضاعَفَةً}: كلما جاء أجله أجّلوه ثانيا وزادوا على الأصل. والفضل ربا.
{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ}: قيل للنّبيّ عليه السّلام: إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ قال: «سبحان الله! إذا جاء النّهار فأين اللّيل؟».
وقيل: عَرْضُهَا: ثمنها لو جاز بيعها، من المعاوضة في العقود.
{يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}: لأنهما داعيتا البخل عند كثرة المال منافسة فيه، وعند قلته حاجة إليه.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: وهم مؤمنون، ليعلم أنّ من صدق الإيمان أن لا يهن المؤمن ولا يحزن لثقته بالله.
{قَرْحٌ}: بالفتح جراح، وبالضمّ ألم الجراح، في يوم أحد.
{فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ}: أي: أهل بدر.
{نُداوِلُها}: نصرّفها بتخفيف المحنة وتشديدها، ولم يرد مداولة النّصر لأنه لا ينصر الكافرين، ولم يكن الأيام أبدا لأولياء الله، لأنه أدعى إلى احتقار الدنيا وأعرف لقيمة الظّفر، وليعلم أنّ تداولها لمصالح.
{وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا}: وصبرهم في الجهاد.
والمعنى: نعاملهم معاملة من يريد أن يعلم، أو يعلمهم متميّزين بالصبر والإيمان من غيرهم.
{وَلِيُمَحِّصَ}: يخلّص ويصفّي من الذنوب.
محصت الماشية محصا: انملصت وذهب وبرها.
{وَلَمَّا يَعْلَمِ الله} معناه حدوث معلوم لا حدوث علم.
{وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}: نصب يَعْلَمِ على الصّرف عن العطف، إذ ليس المعنى نفي الثاني حتى يكون عطفا على نفي الأول، بل على منع اجتماع الثاني والأول، كما قيل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله

{تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ}: غاب رجال عن بدر فتمنوا الشهادة، ثم تولوا في أحد.
{وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}: أشيع موته يوم أحد، وقالوا: لو كان نبيا ما قتل.
{وَكَأَيِّنْ} معناه: كم، وهي أي دخلته كاف الجر فحدث لها بعده معنى كم وفيه لغات: كأي، وكائن بوزن كاع، وكأين بهمزة بعد الكاف بوزن كعين، وكئن في وزن كعن.
{قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ}: في موضع الجرّ على وصف النّبيّ، أو النّصب للحال.
والربيّون: العلماء الصّبر. وقيل: جماعات في فرق.
{فَما وَهَنُوا}: الوهن: انكسار الحدّ بالخوف. والضّعف: نقصان القوة. والاستكانة: الخضوع عن ذل.
{صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ}: أي: يوم أحد.
{تَحُسُّونَهُمْ}: تستأصلونهم قتلا.
{وَعَصَيْتُمْ} في الرّماة، أخلّوا بالموضع الذي وصّاهم به النّبيّ عليه السّلام.
{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا}: النّهب والغنم وهم الرّماة، ومنكم من يقصد الآخرة، وهم عبد الله بن جبير وأصحابه.
{تُصْعِدُونَ}: تعلون طريق مكة. أصعد: ابتدأ السّير، وصعد: ذهب من أسفل إلى فوق.
{وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ}: من خلفكم: يا معشر المسلمين قفوا.
{فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}: أي: على غم، كقولك: نزلت به.
والغمّ الأول بما نيل منهم، والثاني بما أرجف أنّ الرسول قتل.
{وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}: المنافقون، معتّب بن قشير وأصحابه، حضروا للغنيمة فظنوا ظنا جاهليا أنّ الله لا يبتلي المؤمنين للتمحيص والشّهادة.
{إِنَّ الأمر كُلَّهُ}: نصب كُلَّهُ على التأكيد للأمر، أو على البدل من الأمر، أي: إنّ كلّ الأمر للّه. ورفع.
{كُلَّهُ} على أنه مبتدأ ولِلَّهِ خبره، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إِنَّ.
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ}: عثمان وأصحابه، وكان عمر من المنهزمين ولكنّه لم يبعد وثبت على الجبل إلى أن صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأما عثمان فبلغ الجعيلة ورجع بعد ثالثة، فقال عليه السلام: «لقد ذهبتم منها عريضة».
ويروى أن فاطمة سألت عليا ما فعل عثمان- رضي الله عنهما- فقال: فضح الذّمار والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمع فقال: «مه يا عليّ، ثم قال: أعياني أزواج الأخوات أن يتحابّوا».
{الْتَقَى الْجَمْعانِ}: جمع محمد صلّى الله عليه وسلّم وجمع أبي سفيان.
{إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا}: أذكرهم خطايا كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلا على حال يرضونها.
{غُزًّى}: جمع غاز كشاهد وشهّد.
{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى الله تُحْشَرُونَ}: اللام الأولى لام قسم، والثانية جواب له، أي: والله لتحشرون.
{فَبِما رَحْمَةٍ}: فبأيّ رحمة من الله، تعظيما للنّعمة عليه فيما أعانه من اللّين لهم، وإلّا لَانْفَضُّوا عنه هيبة وخوفا فيطمع العدو.
والفظّ: الجافي الغليظ، والافتظاظ شرب ماء الكرش لجفائه على الطبع.
{لَانْفَضُّوا}: ذهبوا. فضّ الماء وافتضه: صبّه، والفضيض: الماء السائل.
{وَشاوِرْهُمْ}: أي: فيما ليس عندك فيه وحي من أمور الحرب.
وهذا الأمر لتأليفهم والرفع من قدرهم. وقيل: للاقتداء به.
{وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ}: أي: لا تظنن أنك تنال منالا تحبّه إلّا بالله.
{أَنْ يَغُلَّ}: يخون، ويغلّ: يخان، أو يخوّن أو يوجد غالا نحو: أجبنته وأبخلته، أو يقال له: غللت نحو أكذبته وأكفرته.